[[size=24]size=18]الإشارة حمراء .. والطريق مليء بالسيارات .. لم يتبق على الموعد سوى بضع دقائق .. تباَ لهذه الإشارة إنها طويلة .. يا ليتني كنت في الصف الأول .. لكنت قطعتها .. الثواني تمر بطيئة كأنها دقائق بل ساعات ..
أنظر إلى الساعة حيناً وإلى الإشارة حينا اخر ..
أضاءت الإشارة خضراء .. ضغطت على منبه السيارة أزعجت الجميع .. تحركت السيارة .. تجاوزت الأول .. كدت أصدم بالثاني .. قيادتي للسيارة أفزعت من حولي .. حاولت أن أسرع .. لكنني لم استطيع ..
مضى الوقت .. وضاع الموعد .. ولم أجد الأصدقاء .. لقد ذهبوا
إلى أين ذهبوا ؟
أحترت في الأجابة .. أطلقت زفرة من صدري .. ياليتني كنت أعرف مكانهم..
السيارة تمضي بهدوء .. أنطلقت أفكر .. أيقظني منبه سيارة أخرى .. نظرت إلى صاحب السيارة بغضب .. وأشرت إليه بيدي .. تمهل الدنيا لن تطير .. ونسيت حالي قبل دقائق ..
قررت أن أقضي السهرة في البيت .. إنها فكرة جيدة .. فابنتي الوحيدة مريضة .. والأفضل أن أكون قريباً منها
أوقفت السيارة أمام محل الفيديو .. نزلت إلى المحل .. أخترت عدة أفلام وانطلقت إلى المنزل ..
فتحت الباب .. ناديت على زوجتي .. أحضري الشاي والمكسرات ..
دخلت الغرفة ..(( يالها من زوجة معقدة ))
الآن ستقول لي : أتق الله يا أحمد
لقد تعودت على هذه الكلمات حتى تلبدت أحساسي نحوها .. ولكنها زوجة مطيعة .. طيبة .. تشقى من أجل سعادتي ..
دخلت ومعها الشاي الشاي والمكسرات .. أبتسمت في وجهي .. قالت : لا بد أنك سئمت السهر مع أصدقائك وتريد أن تجلس في البيت ..
قلت نعم .. تعالي واجلسي .. فرحت وهمت أن تجلس ..
وقمت أنا إلى جهاز الفيديو والتلفاز .. فانطلقت الموسيقى الصاخبة ..
أرخت المسكينة رأسها وقالت أتق الله يا أحمد وخرجت تجر أذيال الحسرة والهزيمة فهي لا تسمع الموسيقى ..
أرتفعت الأصوات في الغرفة موسيقى .. صراخ .. ضحكات .. وانطلقت أشرب الشاي .. واتناول المكسرات .. وعيناي تسمرتا في شاشة التلفاز
أنتهى الشريط الأول ... والشريط الثاني
الساعة تشير إلى الساعة الثالثة بعد منتصف الليل ..
فجأة ..
مقبض الباب يتحرك ببطء .. صرخت : ماذا تريدين ؟ لم اسمع جواباً ..
أنفتح الباب .. دخلت إبنتي المريضة
فاجاني الموقف .. سكت برهة ولم اتكلم ..
أقتربت مني ..
نظرت إلى بهدووووء .. ثم قالت
أتق الله يابا .. أتق الله يا بابا ..
ثم انصرفت وأغلقت الباب ..
ناديتها ... ساره .. ساره .. لم تجب ؟
أنطلقت خلفها .. لا اكاد أصدق .. هل هذه إبنتي ؟
فتحت باب الغرفة .. وجدتها سبقتني إلى فراشها .. ونامت في حضن أمها .. إنها هي
عدت إلى غرفة الجلوس أغلقت جهاز الفيديو .. صوت إبنتي يملأ الغرفة
اتق الله يا بابا ..
اتق الله يا بابا
قشعريرة سرت في جسدي ..
تصبب العرق من راسي ..
لا أدري ماذا اصابني ما عدت أسمع إلا صوتها .. ولا أرى إلا صوتها ..
كلماتها أخترقت كل الحواجز الجاثمة على صدري منذ زمن بعيد ..
ترك الصلاة .. معاصي .. دخان .. أفلام خليعة ..
أيقظتني الغفلة ..
تسارعت نبضات قلبي .. وألقيت بجسدي على الأرض حاولت أن أنام .. لكنني لم استطيع .. مضى الوقت سريعاً
صور من الماضي استعرضتها أمامي .. ومع كل صورة أسمع صوت أبنتي يتردد ..
أتق الله .. أتق الله .. وهنا أرتفع صوت الأذان اهتزت جوانحي .. أرتعدت فرائصي ..
رعشة سرت في أطرافي .. جعل يردد (( الصلاة خير من النوم ))
قلت : صدقت .. الصلاة خير من النوم .. أووووه .. لقد كنت نائما كل هذه السنين ..
توضأت وخرجت إلى المسجد .. مشيت في الطريق وكأني لا اعرفه
كان نسائم الفجر تعاتبني أين انت ؟
وطيور السماء تقول مرحبا بالنائم الذي استيقظ أخيراً
دخلت المسجد .. صليت ركعتين .. وجلست أقرا القران
تلعثمت في القراءة .. منذ زمن لم أقراء القران ..
شعرت أن القران يسألني :
لم هجرتني منذ سنوات .. ألست كلام ربك ..
أخذت أردد في سورة الزمر { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }
عجباً .. جميعاً ما أرحم الله بنا ..
تمنيت أن استمر في قراءة لكن المؤذن .. أقام الصلاة تجمدت في مكاني لحظة ثم تقدمت مع الناس .. وقفت في الصف .. وكأنني غري ..
أنتهت الصلاة .. جلست في المسجد حتى اشرقت الشمس ..
عدت إلى البيت .. فتحت باب الغرفة .. القيت نظرة على زوجتي وسارة . . كانتا نائمتين .. تركتهما وخرجت إلى العمل ..
ليس من عاداتي الذهاب مبكراً إلى العمل .. إندهش الزملاء بوجودي أنطلقت عبارات التهنئة ممزوجة بالسخرية ..
لم أبال بما يقولون .. تسمرت عيناي على الباب .. أنتظرت قدوم إبراهيم ..
زميلي في المكتب والذي طالما نصحني ..
إنه شخص طيب الأخلاق ..حسن المعالملة ..
حضر إبراهيم فقمت من مكاني استقبله .. لم يصدق عينيه سألني أنت أحمد ؟
قلت نعم :
جذبت يده .. وقلت أريد أن أحدثك ..
قال لأباس .. نتحدث في المكتب .. قلت لا .. نذهب الى الاستراحة ..
صمت إبراهيم . وراح يصغي لكلماتي حدثته بحديث البارحة
أمتلات عيناه بالدموع .. وابتسم ابتسامة عريضة .. قال لي :
ذاك نور أضاء قلبك فلا تطفه بظلمة المعاصي ..
كان يوماً حافلاً بالنشاط والجدية .. رغم أني لم انم منذ البارحة ..
أبتسامة تعلو وجهي .. تفان في العمل ..
المراجعون يتجهون نحوي يطلبون مني مساعدتهم بعضهم قال لي : ما هذا النشاط ؟ أجبته صلاة الفجر في المسجد ..
مسكين إبراهيم .. كان يتحمل العبء الأكبر من العمل .. أما أنا فقد كنت أنام ..
لم يشتك ولم يتذمر .. ياله من إنسان طيب ..
نعم إنه الإيمان عندما تخالط حلاوته القلوب ..
مضى الوقت ولم اشعر بالتعب والإرهاق ..
قال لي إبراهيم :
أحمد يجب أن تذهب على البيت فإنك لم تنم منذ البارحة وسأقوم بعملك ..
نظرت الى الساعة لم يبقى على أذان الظهر سوى دقائق .. قررت البقاء ..
أذن المؤذن .. فسارعت إلى المسجد .. جلست في الصف الأول ..
شعرت بالندم على الأيام التي كنت أهربها فيها من العمل وقت الصلاة ..
بعد الصلاة انطلقت إلى البيت ..
في الطريق انتابني شعور القلق .. يا ترى كيف حال سارة
شعرت بإنقباض .. لا أدري لماذا ؟!
أحسست أن الطريق هذه المرة طويل .. أزداد الخوف ..رفعت رأسي إلى السماء ..
دعوت الله أن يعجل بشفاء إبنتي ..
وصلت الى البيت فتحت الباب
ناديت زوجتي
لم اسمع جواباً
دخلت الغرفة مسرعاً
زوجتي منطوية على نفسها تبكي ..
التفتت إلي .. صرخت وهي تبكي لقد ماتت سارة ..
لم أتبين ما تقول ..
أندفعت نحو سارة ضممتها الى صدري
حاولت حملها سقطت يدها نحو الأرض ..
جسمها بارد ..
كذلك يداها وقدماها
نبضها أنفاسها لم اسمع شيئاً
نظرت إلى وجهها نور يتلألأ .. كأنه كوكب دريأيقضتها .. حركتها .. هززتها ..
صرخت امها : ساره .. ساره
لقد ماتت ماتت
وانخرطت في البكاء
لم اصدق ما ارى
كانه حلم .. انهمرت الدموع من عيني أخذت أشهق
أنظر إلى وجهها الجميل .. وشعرها الناعم ..
أقبل فمها الصغير .. كأنها تردد الأن
عيب عليك عيب عليك يا بابا
تذكرت أن هذه مصيبة .. أخذت اردد لاحول ولاقوة إلا بالله .. إنا لله وإنا إليه راجعون
أتصلت بإبراهيم .. قلت له تعال فورا .. لقد ماتت سارة
النساء في الاخل مع زوجتي يغسلن ابنتي ..
انتهين من تغسيلها ..
لفففن على جسدها الطاهر خرقة بيضاء
نادتني زوجتي ..
دخلت كي اودع سارة الوداع الأخير ..
كدت أسقط على الأرض تماسكت قبلتها على جبينها ..
عاهدتها على الثبات حتي الممات .. نظرت إلى امها ..
فإذا هي زائغة العينين شاحبة الوجه تنتفض ..
قلت لها لا تحزني ..
فقد ذهبت الى الجنة بإذن الله هناك سنلتقي .. فشمري كي تشفع لنا
ثم قرأت قوله تعالى
{ والذين آمنوا واتعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين }
بكت الأم وبكيت أنا ..
صلينا عليها صلاةالجنازة .. ثم سرنا بها الى المقبرة
انظر إلى الجنازة وكانني انظر الى نور الذي أضاء لي حياتي ..
وصلنا المقبرة المكان موحش مخيف توهنا الى القبر ..
وقفت على شفير القبر هنا سأضع ابنتي
أمسك إبراهيم بكتفي وقال اصبر يا أحمد
نزلت الى القبر
إنها دارك يا احمد
ربما اليوم وربما غدا
ماذا أعددت لهذه الدار ..
ناداني إبراهيم: أحمد خذ البنت
ووعتها على صدري وودت لو أدفنها ضممتها قبلتها
ثم وضعتها على شقها الأيمن
وقلت بسم الله وعلى ملة رسول الله
صففت اللبن سددت كل المنافذ
خرجت من القبر بدأ الناس يهيلون التراب
لم أملك دموعي ..
[/size]
[/size]